Wednesday, June 20, 2012

ماذا بعد انتخابات الرئاسة؟

 نشرت بجريدة المصري اليوم

 Sun, 17/06/2012
 
بعد أيام قليلة يعتلي الرئيس الجديد كرسي الحكم، والرئيس الجديد سيأتي محاصَرا بجماهير قاطع الجزء الأكبر من كتلتها الانتخابية التصويت في المرحلة الأولى من الانتخابات، وصُدم الجزء الآخر الذي شارك فيها من النتيجة التي وضعته أمام خيارين لا مفر منهما في المرحلة الثانية، الخيار الأول «شفيق»، رجل الدولة الذي يمثل نظام مبارك والذي حكمت المحكمة الدستورية لصالحه بعدم دستورية قانون العزل السياسي ليستمر في المنافسة، والخيار الثاني، محمد مرسي، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، حائزة الأغلبية في البرلمان الذي تم حله بموجب حكم صادر من ذات المحكمة وفي ذات اليوم، والذي يستدعي ذكره هو وجماعته المفاوضات التي خاضتها الجماعة مع العسكر وأدت إلى تفكيك الزخم الثوري.

الرئيس الجديد والمجلس العسكري

الأمر الأهم من نجاح مرسي أو شفيق هو الإجابة على سؤال هل حقا سيسلم المجلس العسكري السُلطة كاملة لأي منهما فور انتهاء الانتخابات وحلف اليمين الدستورية أم لا؟
تطورات الفترة الأخيرة تقول إن المجلس العسكري سيظل محتفظا بموقع جوهري داخل مؤسسة السُلطة ومركز صناعة القرار السياسي، وذلك من واقع منح قوات الشرطة العسكرية ورجال المخابرات الحربية صفة الضبطية القضائية التي تمنحهم سُلطة استيقاف المدنيين واحتجازهم وإحالتهم إلى جهات التحقيق، وأيضا من واقع حل البرلمان واسترداد المجلس العسكري للسُلطة التشريعية التي لم يتخلَّ عنها يوما وإعلانه الشروع في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور.
وهذا يبين أن الرئيس القادم لن يكون مستقلاً عن المجلس العسكري، خاصة أن الأخير، بالتعاون مع شبكة الحزب الوطني ورجال الأعمال وكل من تتعارض الثورة مع مصالحه، سيبذلون قصارى جهدهم حتى لا يحصل الإسلاميون على ذات النسبة التي حصدوها في انتخابات البرلمان المنحل، وبالطبع سيدفعون بأكبر عدد من المرشحين المعادين للثورة والمنحازين لهم، وهو ما سيجعل الرئيس الجديد ذا سُلطات محدودة، وشاء أم أبى سيكون ملكا ليمين ويسار المجلس العسكري الذي سيظل موجودا في الحياة السياسية، ولن يذهب إلى ثكناته بالانتخابات، مثلما حاولت بعض القوى إيهامنا بذلك على مدار الشهور الماضية.

مسار الثورة

مخطئ من يتصور أن اللعبة ستنتهي بجلوس الرئيس على عرش النظام الذي لم يسقط بعد، وأن الجماهير ستجنح إلى الاستكانة والانتظار حتى يحقق الرئيس المنتظر أحلامهم المغدورة في العدل والحرية، بل على العكس تماما، فإن الانتهاء من الانتخابات الرئاسية يعني وضع ثلاث مؤسسات، (الرئيس، البرلمان القادم، المجلس العسكري)، في مواجهة أحلام وطموحات الشعب المصري، ومن واقع صراعات السلطة التي ميزت الشهور الماضية، وأداء مؤسستي المجلس العسكري والبرلمان، وخروج من يُسمَّون بـ(مرشحي الثورة) خارج سباق الرئاسة، وحل البرلمان، نستطيع أن نقول إن التناقضات بين مؤسسات السُلطة ستكون طفيفة، وستتم تسويتها (على الترابيزة وتحتها) بعيدا عن الإرادة الشعبية التي يرى القائمون على هذه المؤسسات أن دورها انتهى بوضعهم على قمة السلطة، وبما يحمي مصالح القوى الاجتماعية التي تمثلها هذه المؤسسات، وهو ما سوف يترتب عليه صعود جديد للحركة الجماهيرية عاجلا أم آجلا.
هذه العوامل جميعها تشير إلى أن معسكر السلطة بمؤسساته المختلفة بما فيها الرئيس، سيدير ظهره لاستحقاقات الثورة، منشغلا بتقسيم السلطة والصلاحيات والدستور وانتخاب البرلمان مرة أخرى فضلا عن موجة القمع المتوقعة إذا ما كسب الرئاسة المرشح أحمد شفيق، وبدرجة قد تكون أقل إذا ما كسبها مرسي.
والبعض قد يرى أن هذا الصراع هو في حد ذاته معركة ديمقراطية بامتياز يجب أن نشتبك معها ونحولها لمعركة كسب أرض وانتزاع تنازلات من السلطة، إلا أن هذا الأفق يعيد إنتاج أخطاء معسكر الثورة خلال موجة النضال التي بدأت مع 25 يناير، هذا المعسكر الذي حصر نفسه داخل المعارك الانتخابية فقط، وبالتالي ليس أمام القوى الثورية إلا استكمال النضال من أجل تحقيق أهداف الثورة دون أية أوهام حول انحياز أي من فرق السلطة للجماهير، وأيضا دون الاستسلام لفزاعات القمع والسيطرة واحتكار السلطة التي تنتظر الثوار بعد الانتخابات والتي يروج البعض لها على أنها أمر مسلم به سوف تقف الجماهير عاجزة أمامه دون أن تقاومه.

حتمية المشروع السياسي الثوري

يتحتم على القوى الثورية أن تصوغ رؤيتها لمرحلة ما بعد جلوس الرئيس انطلاقا من تحدٍّ أساسي يكمن التغلب عليه في الإجابة على سؤال «كيف يرتبط معسكر الثورة بأوسع قاعدة جماهيرية ممكنة على أساس الارتباط الوثيق بين تحقيق مصالح هذه القاعدة وطموحاتها وإنجاز أهداف الثورة؟».
الإجابة على هذا السؤال ليست صعبة أو مستحيلة، إذا ما تضمنت رؤية الثوار توجها عمليا واضحا يضع على رأس أولوياته المطالب الاجتماعية والاقتصادية للناس، رابطا إياها بالاستحقاقات السياسية والديمقراطية، وبذلك يعالج الثوار النقص الشديد الذي ميز خطاب القوى السياسية على مدار شهور الثورة والذي أدى إلى انفضاض مئات الآلاف من حولهم، كما يجب أن يرتبط هذا التوجه باستهداف القطاعات الأكثر تنظيما في المجتمع كالعمال والموظفين والطلاب، وهؤلاء قدموا أوراق اعتمادهم للثورة مرات عديدة إلا أنهم لم يجدوا المظلة السياسية التي يلتفون حولها.
كما يجب أن ترتبط تحركات الثوار بغرس جذور لهم في كل الأحياء والمحافظات من خلال إعادة الاعتبار لفكرة اللجان الشعبية التي تدافع عن حقوق المواطنين أو من خلال أشكال اقتصادية كالتعاونيات، وهي أشكال لا بد منها لمواجهة تقدم الثورة المضادة في الشارع المصري.
إلا أن هذا التوجه سيظل مقصورا على قوى ضعيفة التأثير إذا لم يصب داخل جبهة ثورية آن أوان تشكيلها الآن تجمع كل الكتل الثورية المنحازة لاستمرار الثورة وانتصارها، وتضع لنفسها خطا سياسيا واضحا لها وللجماهير..
هذه الجبهة يجب أن تتعلم من أخطاء ما سبقها من جبهات كـ«ائتلاف شباب الثورة»، أو «المجلس الوطني»، وغيرها من التجارب الأخرى التي بدأت بحماس شديد وفرص جيدة للتوسع والانتشار، وانتهت نهايات غير سعيدة بسبب نخبويتها وعدم تجانسها الفج، وجنوح بعض أطرافها للجلوس على مائدة التفاوض والحصاد المبكر الذي لم يأت بغير الثمار المرة.
هذا هو ما تبقى للثورة، جماهيرها التي لم تذق بعد حلاوة الانتصار لكنها لم تيأس من التطلع إليه، وطليعتها التي لا تزال مستعدة لأن تدفع دماءها ثمنا لانعتاق مصر من قبضة طغاتها، إلا أنها ينقصها المشروع الثوري الذي تتوجه به للشارع، وهو إذا ما تحقق ستكون للثورة فرص كبيرة لتحقيق الانتصار.

What's at stake after the presidential runoff?

  Home
Mon, 18/06/2012 


In a few days, Egypt will officially have a new president. As it stands, the unofficial vote count indicates that the Muslim Brotherhood’s Mohamed Morsy has won the presidency with a mere 51 percent of votes. This tight competition between Morsy and Mubarak’s last prime minister, Ahmed Shafiq, shows the frustration of the Egyptian electorate who had to choose between these two candidates.
The runoff took place in a highly turbulent political atmosphere, entangled with legal disputes. Shafiq, a statesman who represents the former regime, was allowed to remain in the presidential election only a couple of days ago after the Supreme Constitutional Court (SCC) stated that the Political Isolation Law was unconstitutional. Morsy, on the other hand, represents the Brotherhood, which seized the majority in a parliament that was ordered dissolved by the same court on the same day.
After the SCC’s ruling to dissolve Parliament, Morsy and the Brotherhood, who are accused of undermining the revolution by entering into negotiations with the ruling Supreme Council of the Armed Forces, are facing a new challenge. Amid yesterday’s preoccupation with the runoff, the SCAF amended the Constitutional Declaration to limit the powers of the president, while expanding the military’s authority, particularly vis-à-vis the writing of the constitution. The SCAF’s latest amendments to the Constitutional Declaration should draw our attention to the fact that the more critical issue now is whether the junta truly intends to hand over power, rather than the identity of the new president.
In addition to the latest Constitutional Declaration amendments, the SCAF’s decision to grant military police and military intelligence officers the powers of judicial execution — which allows them to stop civilians, detain them and refer them for investigations — and the dissolution of Parliament, which restored legislative powers to the SCAF, suggest the junta will maintain its presence at the heart of authority and the decision-making process.
It is thus wrong to assume that the situation will settle once a new president steps into the shoes of the former, whose regime still stands, thinking that the public will wait patiently as the president achieves their dreams of freedom and justice.
The conclusion of the presidential elections will pit three institutions — the presidency, the coming parliament and the SCAF — against the dreams and ambitions of Egyptians. The power struggle over the past months, the performance of both the SCAF and Parliament, and the ouster of so-called revolutionary candidates from the presidential race demonstrate that the contradictions between the three institutions will only be minor.
All the previous factors point out that those in positions of power will turn their backs on the goals of the revolution and get busy dividing power and writing the constitution.
While some may see this as a democratic battle that we should engage in to press for concessions, this logic could lead to a repetition of the revolutionary camp’s mistakes since the revolution broke out.
The revolutionary forces have no option but to continue their struggle to achieve the goals of the revolution, though without unreasonably counting on any state institutions holding a bias in their favor or surrendering to threats of repression and monopoly of power.
Revolutionaries should formulate a vision for the stage that follows the election of a president. This vision should be primarily concerned with connecting the revolutionary camp to the public by emphasizing the ties between the achievement of the goals of the people and those of the revolution.
This is possible if the revolutionaries provide practical plans that prioritize the social and economic demands of the people and link them to the political and democratic goals of the revolution.
The revolutionaries should work to recruit the more organized groups in society, such as workers, employees and students, who have expressed their readiness to join the ranks of the revolutionaries but did not find a political umbrella that would encompass them.
The revolutionaries should also put down roots across Egypt by reviving the idea of popular committees which defend the rights of citizens or consumer cooperatives that would offset counterrevolutionary powers.
However, this front will remain weak unless all blocs who wish for the revolution to emerge victorious join and formulate a clear political agenda addressed to the people. This front should learn from the mistakes of other blocs, such as the 25 January Revolution Youth Coalition and other experiments which were elitist, incoherent and thirsty for immature gains.
What remains of the revolution are its resolute supporters who have yet to taste victory and its pioneers who are ready to lay down their lives to free Egypt from the grip of tyrants. There is still a need for a revolutionary project to mobilize the public to achieve victory for the revolution.
Translated by Dina Zafer.

Monday, May 7, 2012

مصر وأكاذيب الديمقراطية السياسية

Jadaliyya

كتب أحمد عزت 
نشرت فى مجلة جدلية بتاريخ 4/5/2012

"إنه عرس الديمقراطية الأكبر"…ترددت هذه العبارة في كل المناسبات التي أعلن فيها عن القيام بإجراء أو أكثر من إجراءات ما يسمى بـ " عملية الانتقال الديمقراطي في مصر "، في الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، وفي انتخابات مجلسي الشعب والشورى ، وفي الإعلان عن البدء في إجراءات الانتخابات الرئاسية ، وحتى اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية التي سوف تقوم بكتابة الدستور .
 ففي كل هذه المناسبات يتم توجيه الجهاز الإعلامي للدولة بكامله وتتحول تصريحات رموز السلطة وحلفائها بل وبعض معارضيها ناحية تمجيد العملية الديمقراطية التاريخية التي تشهدها مصر ، وتأثير ذلك مستقبلاً على حياة المصريين ، ومستوى معيشتهم وتقدمهم . إلا أنه بعد كل هذه التجارب يجب أن نتوقف قليلاً لنرى ما أسفرت عنه تلك الأعراس ، وهل حقاً حققت ما يسمى بـ (الديمقراطية) أو على الأقل وضعت برنامجاً علاجياً للمواجع الحقيقية التي يعانيها الناس والتي انتفضوا بسببها مراراً باذلين العرق والدم من أجل وطن يسوده العدل والحرية .
كانت نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية أن انقسم الشارع المصري بين مؤيد لتلك التعديلات ، ومعارض لها ، وقد اختارت القوى الإسلامية ، بل وبعض المحسوبين على التيارين الليبرالى واليسارى التصويت بـ (نعم) لهذه التعديلات ، بزعم أن ذلك سوف ينهى حكم العسكر في أسرع وقت ، وهو ما أدى إلى تحويل الإرادة الثورية من ناحية تطهير المؤسسات ومحاكمة رموز النظام محاكمات جدية ، ووضع خطط لتحقيق الحد الأدنى من العدالة الإجتماعية ، إلى صراع حول بضعة مواد دستورية ، أعطت للمجلس العسكري شرعية إجهاض الثورة عبر مجموعة من الإجراءات الأخرى التى لم يكن بحاجة الى استفتاء المواطنين عليها ، مثل إقرار قانون تجريم الاضربات وقانون التصالح مع رجال الأعمال والمستثمرين الفاسدين وغيرها من القرارات الكثيرة المعادية لحقوق وحريات الناس ، بالإضافة إلى تنفيذ عدد من المذابح ضد الثوار في أحداث السفارة وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها، والتي صمتت عنها كثير من القوى التي ادعت يوماً أنها منحازة للثورة .
أما بالنسبة للانتخابات البرلمانية فحدث ولا حرج ، جاءت تلك الانتخابات ببرلمان شغله الشاغل المواقع الإباحية ، والخلع ، ومشروعات قوانين ضد الحق في التظاهر والحريات النقابية ، والأسوأ لم يأت بعد، بل تحول هذا البرلمان إلى أداة في يد القوى السياسية حائزة الأغلبية فيه (الإخوان والسلفيين) لتفجير حالة من حرب طواحين الهواء المستمرة طوال الوقت مثل حربهم الآن ضد حكومة الجنزروي ، التى يريدون إيهام الشارع بأنها سبب كل المشكلات التى تعانى منها مصر ، في حين أن هذه الحكومة مثل الحكومات التي سبقتها ، مِلك ليمين المجلس العسكري ، الذى يجب أن يكون هو ذاته (لا العرائس التى يحركها) هدفاً مباشراً لنضال أي قوى سياسية صادقة في تبنيها لمشروع التغيير في مصر  .
وعن الليلة الثالثة من ليالي زفاف المحروسة (مصر) المتمثلة في انتخابات الرئاسة ، فعندما يسمح القائمون على إدارة البلاد بترشح أحمد شفيق ، الذي طُرد من منصبه كرئيس لحكومة ما بعد الثورة بعد قيام الثوار بالإعتصام عدة أسابيع إحتجاجاً على توليه رئاسة مجلس الوزراء ، وعندما يُسمح بترشح عمرو موسى الذي خدم سنوات طويلة في نظام مبارك ، وعندما تُحصّن قرارات اللجنة العليا المشرفة على الإنتخابات من الطعن على قراراتها ، فاعلم أن هذه هى ديمقراطيت (هم) ، هم من وضعوا قواعدها، وهم اللاعبون الأساسيون والاحتياط فيها ، وهم من سيجني ثمارها ولا أحداً سواهم ، أما عن الشعب وإرادته فهذا أخر ما يشغل بال الساسة والعسكر في مصر .
أخيراً وليس آخراً تم تشكيل اللجنة التأسيسية التى سوف تقوم بكتابة دستور مصر الجديدة، وعلى ذات النهج الذى يحتقر الإرادة الجماهيرية ، ويُقدس العمل الفوقي النخبوي ، فهذه اللجنة تتكون من مائة عضو ، تم تشكيلها في البداية من أغلبية التيار الإسلامي المُهيمن على البرلمان ، وبعض الشخصيات العامة من التيارات الاخرى لزوم الديكور ، وبعد أن حكم القضاء ببطلان هذا التشكيل، تقدمت القوى السياسية باقتراحات جديدة للتشكيل لا تقل نخبوية عن التشكيل الذي حكم ببطلانه، في حين لم يُجر إستبيان واحد في الشارع حول الحقوق والحريات التى يطمح إليها الناس، أو فيما يتعلق بتصوراتهم عن الدور المنوط والصلاحيات التى يجب أن يخولها هذا الدستور للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ما يعكس تصور التيارات السياسية المصرية عن نفسها، بأنها تعبر عن إرادة الجماهير، بإعتبار أن هذه الجماهير منحتهم بعض المقاعد في مجلسي الشعب والشورى ومن ثم يحق لها أن تكتب الدستور بالطريقة التي تراها في صالح الشعب الذي أعطاها تفويضاً مسبقاً تفعل به كما يحلو لصاحب الأبعدية أن يفعل بها .
هذه هي نتائج عملية التحول الديمقراطي في مصر التي تمت بمعزل عن الجماهير ، أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة التي دفعوا ثمنها غالياً، وما يفسر ذلك التردي الذي شاب المراحل المختلفة لهذه العملية، هو أن القائمين عليها والمهللين لها، والساعين نحو الفوز بقضمة من كعكتها ، لا يعترفون أبداً، برغم تأكدهم وتيقنهم من ذلك ،بأنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية، دون تحقيقها على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وهذا يعنى أنه لا يمكن لمصر أن تتحول إلى مجتمع ديمقراطي حقيقي بمعنى "حكم الشعب" إلا من خلال آليات الثورة التي تستطيع وحدها فقط تقويض أركان النظام (القديم – الجديد)، وتجفيف منابع نفوذه وقوته، وإعادة بناء المجتمع لصالح الأغلبية المقهورة، وهو مالا يمكن تحقيقه من خلال مؤسسات لا تملك سوى الاستجواب أو طلبات الإحاطة أو سحب الثقة، أو كتابة بعض النصوص القانونية أو الدستورية التي ليس لها أي انعكاس على أرض الواقع .
فالديمقراطية ليست مجموعة من المؤسسات أو النصوص القانونية، بل إن هذه جميعها ما هي إلا أدوات لممارسة الديمقراطية. أما الديمقراطية ذاتها فهي عملية يجب أن تسبق هذه المؤسسات وتلك النصوص، بأن تكون حقوق وحريات الناس مكفولة أولاً، وتكون الإرادة الشعبية هي المصدر الأول والأخير لكل التوجهات السياسية  والاقتصادية والاجتماعية، لا إرادة النخبة الحاكمة أو حلفائها، على أن يكون ذلك مصحوباً بتطهير شامل ، ومحاكمات جادة وعادلة وسوى ذلك هو حرثاً في الماء ، سوف يعيد إنتاج الاستبداد ومؤسساته مرة أخرى كما هو ظاهر الآن .
إن النضال لتحقيق الديمقراطية ليس من أجل أن ينفرد تيار سياسي معين ببعض الامتيازات، أو أن تحصل بعض الشخصيات على مناصب مهمة في الدولة، إنما هو نضال من اجل حقوق ووجبات متساوية للجميع، وإلغاء كل الامتيازات، وهو ما يمكن تحقيقه فقط إذا اخترنا النوع الآخر من الديمقراطية، الذي يسميه البعض " الديمقراطية الشعبية " القائمة على المشاركة المباشرة للناس في صناعة القرارات المتعلقة بحياتهم  ومصائرهم ، وليس فقط استدعائهم كل أربع أو خمس سنوات لانتخاب البرلمان أو الرئيس أو مجلس النقابة أو المجلس المحلي، دون أن يكون لهم الحق في عزل أي من هؤلاء ومحاسبته من خلال ذات الإجراءات التي أتت بهم، وأيضاً من خلال كسر أغلال المركزية المؤسسية التي يتسم بها نظام الإدارة في مصر، بحيث يكون لكل محافظة ومدينة ومركز وقرية جمعيتها العمومية، التي تستطيع اتخاذ قرارات معينة في حدود المصالح المشتركة لسكان المحافظة أو القرية، مع الإسهام المباشر فيما يخص المجتمع ككل. لكن علينا أن نعى جيداً أن الطبقة المسيطرة على الثروة والسلطة في مصر لن تسمح بتطبيق هذا النوع من الديمقراطية بإرادتها، وذلك ليس لأن أعضاء هذه الطبقة مجموعة من المرضى النفسيين الذين يعشقون ممارسة الاستبداد والسيطرة على حياة الآخرين، بل لأن هذا النوع من الديمقراطية سوف يجردهم من امتيازاتهم، سوف يكشف أكاذيب ديمقراطية البرلمان والدستور والرئيس على طريقة ما يحدث في مصر الآن، وسوف يبين للناس أن هذه المؤسسات لا تعبر عنهم بقدر تعبيرها عن مصالح السادة، وهو ما يعنى السقوط الحقيقي للنظام القديم، وبداية نظام جديد يؤسس لمجتمع يكون فيه صناعه الحقيقيين هم ملاكه الحقيقيين.

Egypt’s democratic gala


Home 
by : Ahmed Ezzat 
published in Egypt Independent on  Fri, 27/04/2012

Every stage of Egypt's supposedly democratic transition has been hailed as part of a bigger democratic gala; from the referendum on constitutional amendments and parliamentary elections, all the way to the announcement of the presidential election and the election of the Constituent Assembly.
At every one of those stages, state media, officials in power and their allies and even some of the opponents of the regime would start singing the glories of the historic democratic transformation Egypt is witnessing and the impact it would have on the lives of Egyptians and their standard of living.
It is time to reflect on this democratic gala and whether it has achieved the democracy that Egyptians revolted for.
The referendum on the constitutional amendments in March 2011 has caused a split among Egyptians, with Islamists as well as some liberals and leftists choosing to vote in favor of constitutional amendments out of a belief that  a “yes” vote would bring military rule to a swifter end. But what the endorsement of the amendments actually did was shift revolutionary will away from purging institutions of corruption, bringing former regime figures to genuine trial and making plans to achieve social justice to a conflict over a bunch of constitutional articles.
This dispute gave the Supreme Council of the Armed Forces the opportunity to abort the revolution through a series of procedures which did not have to be put to a referendum, such as the law that criminalized strikes and the law that allowed reconciliation with corrupt businessmen and investors. In addition, the SCAF killed revolutionaries at Maspero, the cabinet and in Mohamed Mahmoud Street, slayings that several political powers claiming allegiance to the revolution ignored.
Egypt's new Parliament, supposedly another gala event, is preoccupied with debates on banning pornographic websites, khula divorce, and draft laws against the right to protest, with the worst yet to come. What's more, Parliament has turned into a tool in the hands of the majority bloc — the Muslim Brotherhood and Salafis — who are tilting at windmills and picking the wrong fights, such as their war with Prime Minister Kamal al-Ganzouri's cabinet. Their standoff with the government is meant to give the impression that the cabinet is responsible for all the problems that Egypt is going through. The truth, however, is that this government, like all previous ones, is subservient to the ruling SCAF, which should actually be the target of political powers working to bring about genuine change.
Whose democracy is it when Ahmed Shafiq, who was dismissed from premiership after the 25 January revolution when protesters staged a weeks-long sit-in to protest his appointment and Amr Moussa who served under Mubarak for years are our presidential candidates? Whose democracy is it when the decisions of the Presidential Elections Commission are immune from judicial oversight? We have to know that this is SCAF's democracy; they put out its rules, and are the main players in it.
The will of the people is the last thing that preoccupies the SCAF and politicians.
Finally, popular will was ignored yet again and an elitist approach was adopted when forming the Constituent Assembly. The assembly — which has now been dissolved — consisted of 100 members, most of them from the Islamist movements dominating Parliament along with a number of “harmless” public figures who have other political affiliations. And after a judicial ruling ordered the Assembly to be dissolved, political forces presented new propositions that are not less elitist than the original proposal for the committee.
Not a single survey was conducted to find out what rights and freedoms the people aspire to have or what they imagine the powers of the three branches of the state should be. This reflects how political forces see themselves as representing the people's will just because the people granted them some seats in Parliament and hence delegated them to write a constitution on their behalf.
Those are the results of the democratic transformation Egypt is undergoing, a transformation for which the people, the main stakeholders in revolution, paid dearly. The failures that marred the different phases of the process can be attributed to the fact that those in charge of the process as well as enthusiastic participants in it refuse to acknowledge that political democracy cannot be achieved until it has been realized at the socioeconomic level.
Egypt cannot become a democratic society in which the people rule unless the revolution is allowed to demolish the pillars of Mubarak’s regime and rebuild the society to favor the oppressed majority. This cannot be achieved through institutions that can only produce parliamentary interpellations or withdraw confidence in a government.
Democracy is not about just establishing representative bodies; rather these institutions and the laws they produce are tools to exercise democracy. Democracy itself is a process that should precede these institutions and legislations. The rights and freedoms of people should first be upheld and popular will should dictate political, economic and social orientations, rather than the will of the ruling elite or its allies. This should be accompanied by comprehensive cleansing of state institutions and fair and serious trials of former regime figures. Any other efforts will only work to reproduce tyranny.
A genuine struggle for democracy should not lead one political current or certain figures to enjoy certain privileges — it is a struggle to help everyone enjoy equal rights. This could be achieved if we choose to establish a popular democracy, one that is based on the direct participation of people in decisions concerning their lives, rather than calling on them to participate in parliamentary, presidential or local council elections every number of years without empowering them to hold the same officials accountable later on. Governorates, cities and villages should also make their own decisions, which requires some degree of autonomy and decentralization.
But we should be well aware that the elite controlling Egypt's wealth and positions of power will not allow for the implementation of this type of democracy willingly because it will strip them of the privileged positions they have attained. It will reveal lies about Parliament, the president and the constitution and show the people that they do not reflect their interests as much as they reflect those of the elite. Only this will bring down the former regime and pave the way for a new one whose makers are its owners.
Ahmed Ezzat is a member of the Revolutionary Socialists group and a lawyer at the Foundation for Freedom of Thought and Expression.
Translated by Dina Zafer

Thursday, April 19, 2012

ثورة مصر: بين العفوية والتنظيم


كتب : أحمد عزت 
نشر هذا المقال فى مجلة جدلية بتاريخ 1 / 4 / 2012
 يرى البعض أن العنصر الذي حسم مسألة إسقاط مبارك وإجباره على التخلي عن الحكم هو اندفاع الجماهير الشعبية مدفوعة بضيق العيش ومصاعب إجتماعية شتى في مظاهرات مليونية، ومواجهات عنيفة مع قوات الشرطة ، أدت إلى فقدان النظام الحاكم جزءً كبيراً من اتزانه، وبالتالي اضطرار الطبقة الحاكمة إلى التخلي عن مبارك بوصفه أحد وكلائها. ولا يرى هذا الإتجاه أهمية لمسألة التنظيم، سواء أخذ شكل الحزب أو الحركة أو غيرها من الأشكال التنظيمية المتعارف عليها. بل أنه يرى فيها أحياناً معطلاً للعملية الثورية، وعائقاً أمام عفوية الجماهير القادرة وحدها على إسقاط النظام .
 فى حين يرى البعض الآخر أن النضال الذى خاضته بعض المجموعات السياسية والتنظيمات والجبهات المطالبة بالديمقراطية والمدونين وغيرهم ضد نظام مبارك على مدار العقد الأخير هو الذى حسم مسألة إسقاط رأس النظام بما أدى إليه من ازدياد الوعي بضرورة التغيير كحل أساسي للأزمات التي يُعانى منها المصريون ، وبالتالي اتساع دائرة الرافضين لاستمرار مبارك في الحكم وصولاً لذُروة هذه العملية في 25 يناير وما بعده .
أحياناً يتم طرح هذين التصورين في مواجهة بعضهما البعض، بين من يرون في القوى والمجموعات السياسية المنظمة كيانات انتهازية تسعى فقط للركوب على حركة الجماهير من أجل تحقيق أهداف ذاتية، ومن يرون في اندفاع الحركة الجماهيرية وعفويتها خطراً قد يهدد بالفوضى إذا لم يتم ضبطه والسيطرة عليه وفق أهداف سياسية واضحة، وكلا التصورين يعتوره الكثير من القصور .
فعملية تحول الجماهير من نقطة الثبات والرضا بالواقع الظالم الذي تعيشه إلى نقطة التمرد والانقلاب عليه، ثم العودة ثانية إلى النقطة الأولى بعد الحصول على بعض المكتسبات أو الانتصار الشامل أو الهزيمة الشاملة لا تحدث بشكل قدري، بل هى نتاج لتطورات عسيرة. منها ما يتعلق بطبيعة القوى المنظمة في المجتمع، وتلاقي رسالة بعض هذه القوى مع أحلام وطموحات الجموع الغفيرة أو على الأقل قطاعات منها. ومنها ما يتعلق بجهاز الدولة ذاته في لحظة معينة، ومدى استعداد الحركة الثورية للاستيلاء عليه وتجفيف منابع قوة النظام، وغيرها الكثير من الأطراف في هذه المعادلة التى لا يصح أن نتعامل معها كما لو أننا نتعامل مع معادلات الكيمياء.
فالجماهير الغفيرة ليست شيئاً واحداً، مثلما هو الحال أيضاً بالنسبة للقوى السياسية المنظمة. بل إن هذه الجماهير تنقسم إلى طبقات وهذا لا يعني أيضاً أن مصالح كل طبقة من هذه الطبقات واحدة. بل داخل كل طبقة منها شرائح مختلفة ومتصارعة وهو ما ينعكس على وعيها وثقافتها، ومن ثم استعدادها للثورة على النظام ومواجهة آلة قمعه. على سبيل المثال فإن العام السابق لبداية الثورة (عام 2010) شهد موجة عارمة من الإضرابات العمالية التى رفعت مطالب اقتصادية في مواجهة سياسات السوق الحر، التى أدت إلى إنهيار مستوى معيشة الملايين من العمال. إلا أن هؤلاء العمال الذين خاضوا تلك الإضرابات لم يشاركوا بنفس القوة والتنظيم في مليونيات يناير 2011 التى أسقطت مبارك. كما لم يشاركوا في كل الاعتصامات منذ يناير وحتى مظاهرات مذبحة بورسعيد. وهذا لا يعنى أنهم كانوا ضد الثورة، أو أن الثورة وما رفعته من شعارات لم تكن تعبر عن مطالبهم وطموحاتهم، بقدر ما يعني ضعف الصلة والتفاعل بين هذه القطاعات العمالية وبين المجموعات السياسية أو ( الشبابية ) سمها كما تشاء، والتى أطلقت مبادرة 25 يناير أو تلك التى حملت الراية في النضالات اللاحقة. 
الأمر ذاته ينطبق على القوى السياسية التى شاركت في بداية الثورة ووقفت خلف متاريسها، فمن أقصاها يساراً وثورية إلى أكثرها محافظة وإصلاحية من القوى التي شاركت في معارك الثورة الحاسمة مثل جمعة الغضب 28 يناير ومعركة الجمل 2 فبراير. إلا أن الأمر لم يتوقف هنا، بل جاء اليوم الذى رفع فيه البعض الأحذية في وجه منصة الأخوان المسلمين وهو يوم 25 يناير 2012 إحتجاجاً على اختيارهم المهادنة مع السطة الحالية ومحاولتهم جعل ذلك اليوم يوماً احتفالياً بمرور عام على الثورة في ميدان التحرير، وهو الميدان الذى شهد قبلها بعام واحد بالتمام والكمال الأخوان والشيوعيين والليبراليين والناصريين وغيرهم ملتفين "بالجماهير الغفيرة" وهم يهتفون جميعاً "الشعب يريد إسقاط النظام"!
ومن الشواهد الأكثر وضوحاً في هذا السياق، الاعتصامات التى تلت إسقاط مبارك. فمثلاً إعتصام 8 يوليو الذى بدأ بمليونية طالبت بالإسراع في محاكمات قتلة الشهداء، واستمر عدة أسابيع محافظاً على قوته، إلا أن الإحباط والإنهاك أصاب المعتصمين في النهاية فبدأوا بترك الميدان يوماً تلو الآخر. ثم قررت بعض المجموعات الانسحاب، وقرر البعض الآخر الاستمرار حتى تم فض الاعتصام بالقوة . وخلال الاعتصام ذاته لم تنجح المجموعات، سواء الراديكالية أو الإصلاحية، في تطوير الاعتصام وتقويته إلى مرحلة يستطيع معها انتزاع مطالب حقيقية تؤدي إلى زيادة ثقة القطاعات الأوسع من "الجماهير الغفيرة" في آليات النضال التى تشبه التظاهر والاعتصام وغيرها. بل إن هذه المجموعات، خاصة تلك التى قبضت على جمر هذا الاعتصام حتى آخر لحظة، غرقت في تفاصيل مواجهة المخبرين وعملاء الأمن وتأمين الاعتصام وإعاشة المعتصمين وهو ما أعاقها عن تحويل هذا الاعتصام إلى قوة ضاربة في حائط ديكتاتورية العسكر، وهو ما تكرر في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء ومذبحة بورسعيد، حيث تبدأ المظاهرات أو الاعتصامات قوية جداً ثم تضعف بالتدريج داخل الميدان الذى لا يسمح لأحد بالسيطرة عليه أو قيادته. وعلى الرغم من كون هذا أحد نقاط قوة ميدان التحرير الذى يرفض السلطوية، إلا أنه في ذات الوقت نقطة ضعف يتسلل من خلالها العسكر وحلفاؤهم في كل مرة لإفشال الفاعلية وتصفيتها تدريجياً من خلال الضغط الإعلامى ودس عناصر مخربة واستقطاب بعض المجموعات والشخصيات المهادنة لمائدة التفاوض التى لم تنتج يوماً شيئاً مفيداً، إلى أن تتبخر طاقة المقاتلين الذين يعودون في نهاية المطاف لبيوتهم لأخذ استراحة المحارب والاستعداد لجولة جديدة .
ما سبق يوضح أن الأزمة ليست في العفوية وحدها أو في التنظيم وحده، بل في الإثنين معاً، وتحديداً في نوع العفوية ونوع التنظيم. فليست كل التنظيمات أو الأحزاب أو المجموعات ثورية بطبيعتها، بل أن أغلبها وأقواها هو في واقع الحال إصلاحي ومهادن، يرى في اندفاع الحركة الجماهيرية وسيلة جيدة وسهلة لكسر الجناح الأقوى في النظام ليس بهدف إحداث التغيير الذي تطمح إليه هذه الجماهير، وإنما بهدف الحلول محل هذا الجناح، وهو ما يضع هذا النوع من التنظيمات في مرحلة معينة في موقع معاد لحالة الانتفاض والثورة، والدعوة للهدوء حتى يستقر لها المقام، ويبدأ ذلك بترك التنظيمات والمجموعات الأضعف والأكثر راديكالية (رفاق الأمس) تناضل وحدها ضد النظام، وتحاول وحدها تعبئة الجماهير العفوية، ثم يتطور الأمر لمهاجمتها إعلامياً، وينتهي الأمر بمواجهتها بالقوة إذا تطلب الأمر، مثلما حدث مع مسيرة الثوار التى توجهت لمجلس الشعب يوم 31 يناير وفوجئت بشباب الإخوان يمنعون تقدمها ووصولها إلى المجلس . 
وليس الفارق بين الثوريين والمهادنين فى شرف أولئك وانتهازية هؤلاء، بل الأهم هو في قدرة هؤلاء الإصلاحيين المهادنين على حشد وتعبئة مئات الآلاف للنزول للشارع حين يتطلب الأمر ذلك. في حين لا يستطيع الثوريون فعل ذات الأمر إلا عندما تقرر "الجماهير الغفيرة العفوية" النزول لسبب أو لآخر. وفى هذه الحالة لا يكون للثوريين أى نوع من التأثير على حركتها، التى غالباً ما تنتهى بتقديم النظام لبعض التنازلات التى لا تغير واقع الحال البائس، ويظل هو محتفظاً بالسلطة وأدواتها .
لا يكمن حل هذه المعضلة في قيام الثوريين بحقن هذه الجماهير بأفكارهم الثورية المجردة، أو في حملات التوعية المبتذلة، التي ترى في سكون الشعب ورفضه الاستجابة لدعوات التظاهر والاعتصام نوعاً من أنواع الجهل الذى يحتاج إلى دورات لمحو أميته السياسية. كما لا يكمن الحل أيضاً فى الكفر بكل أنواع التنظيم ورفضها، وتمجيد المارد العفوى وحده دون غيره، فحقاً خرج هذا المارد مراراً دون أي توجيه، ووجه ضربات عنيفة لوحش السلطة الكاسر، إلا أنه لم ينتصر، فقط كما قلت في بداية المقال. لقد أفقد هذا الوحش إتزانه فقط.
إن الحل ببساطة يكمن في ضرورة أن ترتبط هذه المجموعات الثورية بكل النضالات الجزئية العفوية التي يخوضها العمال والطلاب وسكان الأحياء الفقيرة وغيرهم، حتى وإن لم ترق مطالب هذه القطاعات إلى سقف الثوريين السياسي المرتفع بطبيعته. ولنا في تجربة اللجان الشعبية خير دليل، عندما قررت الجماهير العفوية تشكيل لجان شعبية للتصدي لبلطجية النظام الذي أراد نشر الرعب في شوارع مصر في محاولة أخيرة لإنقاذ مبارك. وهي التجربة التى كشفت عن استعداد هذه الجماهير لاستبدال إحدى مؤسسات الدولة الهامة وهى مؤسسة الشرطة، بمؤسسة شعبية قائمة على التعاون بين الناس وتبادل الأفراد لدوريات الحراسة في الشوارع والميادين. إلا أن ذات اللجان الشعبية هي من كانت تقوم بالقبض على أي أجنبي أو أي ناشط سياسي لمجرد أنه يتمتع بمظهر لا يبدو مألوفاً لأبناء الأحياء الشعبية، والسبب في ذلك التناقض هو انعدام التواصل بين المجموعات الثورية والراديكالية وبين هؤلاء الناس، مما أدى إلى تفكك أغلب هذه اللجان بعد مرور العاصفة التي أطاحت بمبارك .
هذا التواصل الذي نتحدث عنه في هذا المقام يجب أن يبنى من خلال كل الوسائل الممكنة، بداية من الصحافة الشعبية التي يجب أن يرى فيها الناس تدويناً لواقع حياتهم اليومية، وتعبيراً عن أحلامهم، مروراً بالارتباط بنضالهم من أجل تحقيق مطالبهم البسيطة، ومشاركتهم الفنون التى يفضلونها والتى يعتبرها بعضنا إسفافاً، وغيرها الكثير والكثير من الطرق . هذا التفاعل فقط هو ما يمكن أن يجعل هذه الملايين الشعبية تلتف حول هؤلاء الثوريين الحالمين بعالم جديد، ليطلقوا معاً طاقة الثورة التي تستطيع أن تكنس هذا العفن القديم .
 http://www.jadaliyya.com/pages/index/4888/%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1_%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%81%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85

Egypt's revolution between spontaneity and organization


 by : Ahmed Ezzat
Published on Thu 19 Apr 2012
 http://www.egyptindependent.com/node/734471

Some may argue that former President Hosni Mubarak was ousted as result of the rather spontaneous mass protests that were driven by the poor living standards and various social difficulties suffered by Egyptians, which led to violent confrontations with police forces, causing the ruling regime to lose its balance, thus forcing it to sacrifice Mubarak.
This analysis does not give any credit to the question of organization, whether in the form of political parties, movements or other civil society actors. In fact, sometimes this narrative of spontaneity disregards such organizations as being a disabling force against the revolutionary process and an obstacle for the spontaneity of the masses, which can singlehandedly bring down the regime.
On the other hand, others consider the decade-old struggle waged by some bloggers and pro-democracy political groups, organizations and fronts against Mubarak’s regime as the driving force behind the ousting of the regime’s head, as it led to increased awareness of the need for change.
These two narratives are each often adopted by two opposing viewpoints; one side viewing organized political forces and groups as opportunistic entities seeking only to achieve their own interests, and the other viewing the impulsiveness and spontaneity of these masses as a danger that could threaten chaos if not controlled according to clear political goals. The truth is that these two narratives, if presented independently, would suffer many shortcomings.
The transformation of the masses from a state of passivity to the point of rebellion is not a matter of fate, but a product of complex developments that include the role played by civil society organizations. When the message relayed by some of these forces converged with the dreams and aspirations of the masses or sectors of society, this revolutionary transformation took place.
Additionally, the masses are not a homogenous entity. The masses can be divided into a number of classes, and the interests of these classes are not necessarily identical. Furthermore, within each class there are different and often conflicting groups of people who have varying willingness to revolt against the regime and face its oppressive apparatuses.
For example, in 2010, a wave of labor strikes erupted. The protesters’ demands were economic in nature, particularly opposing the free market policies that disempowered millions of workers. Nonetheless, these same workers did not necessarily participate with the same force and organization in the January 2011 mass protests that ousted Mubarak, nor did they participate in all of the sit-ins that followed. This does not mean the workers were against the revolution, or that the revolution and its slogans did not represent their demands and aspirations, as much as it means that the connection and interaction between workers and other political groups (or youth groups) that launched the 25 January call for protest was weak.
The same applies to the political forces that participated in the beginning of the revolution. All political forces, from the most revolutionary to the most conservative, participated in the revolution’s decisive battles, such as 28 January (the Friday of Anger) and 2 February (the Battle of the Camel). This unity quickly faltered until we reached the day when shoes were being raised in the face of Muslim Brotherhood’s stage in Tahrir Square on the revolution’s anniversary to protest the Brotherhood’s choice to concede with the Supreme Council of the Armed Forces and its attempts to turn the day into a day of celebration rather than one demonstrating the persistence of the revolution.
Some of the most compelling evidence to support the lack of harmony between organization and spontaneity are the sit-ins that followed Mubarak’s ouster. For instance, the 8 July sit-in began with a protest to demand immediate trials for the martyrs’ killers and maintained its momentum for several weeks. However, led by frustration and exhaustion, more and more protesters began leaving Tahrir Square each day, then a number of movements withdrew while others decided to continue on until the sit-in was dispersed by force. During the sit-in, neither the radical nor reformist movements succeeded in expanding or reinforcing the sit-in in a manner that would lead to the achievement of any real demands. On the contrary, these movements, especially those that remained until the very end, got so caught up in the day-to-day details of how to combat security informants, secure the sit-in and provide for the protesters’ daily needs that they failed to transform the sit-in into a salient force against the military’s dictatorship.
From all this we can see that the problem lies in the inability of the organized groups to work together and build on the masses’ spontaneity.
Not all organizations, parties and movements are revolutionary in nature — in fact the majority and the most powerful are reformist and conciliatory, and they view the impulsiveness of the masses as a means to break the regime, not with the intention of bringing about the change these masses aspire for, but with the intention of coming to power.
The ability of these appeasing reformers to mobilize hundreds of thousands of people to take to the streets when necessary stands in contrast to the revolutionaries’ inability to mobilize in a similar manner. The latter depend on spontaneity rather than organized mobilization.
The solution to this dilemma is not in injecting these masses with abstract revolutionary ideas, or in vulgar awareness campaigns that view the people’s silence and refusal to respond to calls for protests and sit-ins as a kind of ignorance that requires political illiteracy courses, nor does it lie in the refusal of all forms of organization and the glorification of none other than the spontaneous dragon. For although this dragon has repeatedly gone out unguided, and threw a number of violent blows to the monstrous ruling regime, it has failed to fully triumph over the junta and, as I mentioned at the beginning of this article, only caused the monster to somewhat lose its balance.
The solution simply lies in the need for these revolutionary groups to join all the spontaneous, incomplete battles being fought by the workers, students, slum dwellers and so on, even if their demands do not live up to the revolutionaries’ great expectations.
This link between the masses and the revolutionary groups must be built through all possible means of communication, including popular press, which must be seen by the people as an articulation of the reality of their daily lives and an expression of their dreams. This interaction is the only way to make these millions of people rally around these revolutionaries to get rid of the decaying regime.
Ahmed Ezzat is a member of the Revolutionary Socialists group and a lawyer at the Foundation for Freedom of Thought and Expression.

Tuesday, January 24, 2012

أغنية الثورة وألحان الثورة المضادة--التحرير ليلة 25 يناير 2012


اكتب هذه التدوينة تحت سماء ميدان التحرير التى تنهمر منها الأمطار بغزارة ليلة الخامس والعشرين من يناير عام 2012 ، حيث يتوافد الثوار من كل حدب وصوب على الميدان، الذى ترفرف على جوانبه لافتات تدعو لاستكمال الثورة واسقاط حكم العسكر ، ومحاكمة أعضاء المجلس العسكرى ، الذى يرون أنه ارتكب فى حق المصريين جرائم لم يرتكبها فى حقهم مبارك خلال سنوات حكمه الثلاثين ، تنطق حناجرهم بهتافات تملأها الحرقة على من سقطوا منهم شهداء فى معارك الثورة العديدة ، تتساقط عليهم الأمطار بشدة فى ساحة الميدان الفسيح الا أنهم يأبون أن يتركوا أماكنهم تحت المنصات الفقيرة والمتهالكة التى يعلوها ثوار آخرون يقودون الهتاف .
على الجانب الآخر من المشهد تجرى عملية بناء منصة تبدو من ملامحها الأولى أنها منصة فارهة وكبيرة ، ويحميها المئات من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين الذين تنهمر عليهم الأمطار أيضاً، الا أن ملابسهم المبللة ليست أهم ما يميزهم ، بل يميزهم " الصمت " ..نعم الصمت، فهم لا يهتفون مثلما يهتف شركائهم فى الميدان ضد الطغيان والظلم ، ولا تستطيع أن تلمس الحرقة بداخلهم مثلما يهز وقعها وجدانك اذا نظرت فقط فى أعين أحد من الجمهور الثائر. فقط يلتف أعضاء الجماعة حول المنصة الجارى بنائها ، وكأن هناك متربصون بهذه المنصة سوف يمنعون بنائها ، يحدث ذلك ،وتستطيع أن تلمس عداءً غير خافياً تتبادله نظرات الفريقين، وكأن شركاء الأمس الذين قاتلوا سوياً فى 28 يناير وموقعة الجمل قد صبت عليهم لعنة الفراق الى حيث أختار ذوى المنصات الفقيرة أن يستكملوا كفاحهم من أجل الحرية والى حيث اختار حماة المنصة الفارهة الاكتفاء بقدر ما من المكاسب واعتبارها كافية بالنسبة لمشروعهم السياسى الذى يتبنونه ، كلا الفريقين أتى للتحرير وكلاهما تبللت ملابسه ، الا أن فريقاً منهما أتى الى الميدان فرادى ، دون أية تكليفات أو تعليمات من جماعة أو من حزب ، هو فقط على موعد مع تاريخ 25 يناير 2012 ، وقد أتى هذا الموعد الذى يعتبره يوماً لاستكمال الثورة وانهاء حكم العسكر ، لا ينتظر أن يملى عليه أحد تكليفاً هنا ، أو تعليمةً هناك ، فهو يعرف مكانه جيداً ، تحت المنصة المتهالكة ذات مكبرات الصوت المهترئة التى تشبه مكبرات الأصوات التى تستخدم فى أفراح الأحياء الشعبية " المهرجانات " . فى حين أن الفريق الاخر المنتظم فى صفوف دقيقة " غير عفوية " لا يقدر أحد أفراده على كسر القاعدة ، والهتاف مع الهاتفين ، فذلك يعنى على الفور عقاباً تنظيمياً ، وتوبيخاً قد يصل الى وصف العضو الشارد بالانحراف كما حدث مع شباب الاخوان الذين استقالوا بعد قيام الثورة .
التناقض بالنسبة لى ليس فى كون الفريق الأول عبارة عن جمهور عفوى لا تحكمه أية أطر تنظيمية ، أو فى كون الفريق الثانى جمهور منظم وملتزم بقواعد معينة ، انما يبدو التناقض فى أن الفريق الثانى ليس الفريق الوحيد المنظم ، فمن هذه الناحية هناك عشرات المجموعات المنظمة ، ومنها ما هو متشدد فى قواعده واطره ومدى انضباط أعضاءه والتزامهم ، الا أن هذه المجموعات الأخيرة تتهافت عندما يصادفها جمهوراً عفوياً يهتف ضد النظام ويطالب بالتغيير ، بل أن منها من قضى عقوداً ينشد أنشودة الجماهير ، التى ظلت هى الأخرى عقوداً دون استجابة ، حتى أتت لحظات فقد فيها البعض الأمل فى امكانية حدوث ثورة شعبية ، وآمن البعض بنظريات مثل " نهاية العالم " وانتهاء عصر الثورات " ، اليوم وبعد أن أثبتت الجماهير خطأ هذه النظريات ، نجد أن التنظيم الأكبر فى مصر " الاخوان المسلمون " قد تحول من مجرد تنظيم سياسي اصلاحى الى اداة للسيطرة على أعضاءه ، وادماجهم مع رؤية تكتفى بالتسوية الودية مع النظام الحاكم ، وهذه مجرد مرحلة من مراحل تعامل الاصلاحيين مع الثوار بالوقوف تحت الامطار وتحمل بلل الملابس فى هذا الشتاء القارس لكن دون مشاركة ثوار العفوية هتافهم . قد تأتى مرحلة أخرى يتدخل فيها الفريق المطيع لتعليمات قادته لمنع هتافات هؤلاء العفويين الذين لا يفعلون الا ما تمليه عليهم ضمائرهم ، نعم قد يحدث هذا على الرغم من اشتراك الفريقين فى مواجهة الأمن المركزى فى 28 يناير وفى موقعة الجمل فى 2 فبراير ، وفى تلقى الرصاص بصدور عارية ووجوه فرحة ، كلاهما غنى أغنية الثورة ، وملأ أنفاسه من عبقها ، الا أن فريقاً ظل يغنيها على ألحان الثورة ، وفريقاً آخر ظل يغنيها أيضاً لكن على ألحان الثورة المضادة